الأحد، 8 أبريل 2018

شعبان.. توطئة وتهيئة لاستقبال رمضان

شعبان.. توطئة وتهيئة لاستقبال رمضان
إعداد وتهذيب: د. محمد شهاب
• ها قد دخل شعبان، والناس عنه غافلة، وفاز من فاز بالتقرب والاستعداد فيه لرمضان، ولنا مع هذا الشهر المبارك وقفات ننظر فيها حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحال سلف الأمة، الذين أمرنا بالاقتداء بهم، مع ذكر بعض فضائله وأحكامه.
• شهر شعبان هو المدخل الذي يدخل منه العبد على رمضان، فكيف يكون الاستعداد الجيد في شهر شعبان لاستقبال رمضان؟ وكيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعد لهذا الموكب الكريم؟
• كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعد لاستقبال رمضان من أول شعبان، فكان يستعد استعدادًا عمليًّا ونفسيًّا، كان يستعد بالصيام، والقرآن والدعاء، وذكر رمضان وفضائله.
1- الاستعداد بالصيام: من فضائل شعبان: أن الأعمال تُرفع فيه، عن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رضي الله عنهما قَال : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ ؟ قَالَ: (ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ) رواه أحمد، والنسائي، وصححه ابن خزيمة، وهذه لفتة فتنبه لها يا عبد الله، قالوا: هذا فيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عز وجل.
• ومن فضائله: كثرة صيام النبي عليه الصلاة والسلام فيه؛ لحديث أسامة السابق ولحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : (مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلاَّ رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ) رواه الشيخان. روّض نفسك على الصوم من الآن.
• كما يقول «ابن رجب» في كتاب لطائف المعارف: وقد قيل في صوم شعبان، إن صيامه كالتمرين على صيام رمضان، لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط.
• ولا شك أن من حَرَصَ على الصيام في مثل هذه الأوقات، هو أشد حرصا على سائر الطاعات والأعمال الصالحات، من صلوات مفروضة، ونوافل مسنونة، وأذكار موظفة، وقراءة للقرآن، وصلة للرحم، وإنفاق في وجوه الخير، وغير ذلك.
• وقيل في فضل الصيام في هذا الشهر إنه استعداد وتمرين لشهر رمضان، فلا يجد المرء مشقة وكلفة في صيامه، وكذلك الحال في بقية الأعمال، فيسن للمرء أن يجتهد في شهر شعبان، حتى إذا أتى رمضان، كان أكثر اجتهادا، وأكثر قدرة على طاعة الله عز وجل.
2- الاستعداد بالقرآن: يقول أنس بن مالك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان المسلمون إذا دخل شعبان انكبُّوا على المصاحف فقرؤوها، وأخرجوا زكاة أموالهم تقويةً للضعيف والمسكين على صيام رمضان، وقال أحد السلف: شعبان شهر القُرَّاء، فالذي تعود على المحافظة على ورده القرآني قبل رمضان سيحافظ عليه إن شاء الله في رمضان.
• افتح من الآن صفحةً جديدةً مع كتاب الله تعالى، وعُد إليه بشوقٍ يدفعك لمجالسته! سُئِل أحد الصالحين عن المسلم يبدأ في قراءة القرآن بعد طول غياب فيثقل عليه ذلك حتى لا يكاد يتم آيات معدودات منه، فردَّ عليه بأن يقاوم هذا الشعور، ويستمر في القراءة، فذهب ثم عاد فقال: العجيب أنني بعد قراءة حوالي رُبعَيْن من القرآن استمرت بي الرغبة في القراءة فلم يعاودني ذلك الشعور، فقال الرجل الصالح: وهذا حال القرآن مع الغافلين، فالقرآن في حد ذاته شفاء لما في الصدور، وكثرة البعد عنه ترسب على القلب الصدأ والران، فتقوم الآيات الأولى بجلاء القلب، وهذا الأمر فيه مشقة وجهد تأباه النفس، فإذا قاومنا رفض النفس يقوم القرآن بمهمته حتى ينجلي القلب ويصبح محلاً لتلقي نور القرآن، ويصبح المؤمن كما قال الله تعالى: (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ). الأنفال2.
• فقراءة القرآن في شعبان تزيل صدأ الشهور الماضية، حتى يستنير القلب، ويصبح محلاً طيبًا لتأثير القرآن بالهدى والتقى والنور في رمضان.
3- الاستعداد بالدعاء: وهو من الاستعداد النفسي والقلبي، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب يدعو قائلاً: (اللهُمَّ بَارِكْ لنَا في رَجَبٍ وَشَعْبَانَ، وَبَارِكْ لنَا في رَمَضَانَ). مسند أحمد.
داوم من الآن على الأذكار الشرعية، والآداب المرعية، صباحاً ومساءً.
4- الاستعداد بتذكر فضائل رمضان: من الاستعداد المعنوي لشهر رمضان أن يكثر المرء من الحديث عن هذا الشهر الكريم وذكرياته معه، وكذلك الإكثار من ذكر فضائله ومدارستها.
• ومن أشكال تذكُّر رمضان وفضائله الجلوس مع الزوج والأولاد ــ ولو مرة أسبوعيًّا ــ خلال شهر شعبان لقراءة كتيِّب صغير حول رمضان، فضلاً وفقهًا وسلوكًا. فذكر هذه الفضائل واستشعارها يعطيك دافعاً نفسياً وعاطفة إيمانية مرتفعة للاستعداد له.
• قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)، وكلما تعددت النيات التي ينويها المرء في عمل ما يبتغى به وجه الله عز وجل، كلما ازداد الأجر والثواب على هذا العمل، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه في الحديث القدسي (إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا اكتبها له حسنة).
• فإذا استصحب (استحضر) نية كسب أكبر قدر ممكن من الحسنات في رمضان ونية، وعزم فوضع برنامج ملئ بالعبادة والطاعة والجدية بالالتزام به، فقد احسن الاستعداد.
5- المبادرة إلى الأعمال الصالحة: كالبر والإحسان وإعانة العاجز والفقير، والإقبال على أعمال الخير والبر منذ شهر شعبان كما كان يفعل الصحابة، حيث يخرجون الصدقات في شعبان ليتقوى الفقراء على صيام رمضان. قال أنس: كان المسلمون إذا دخل شعبان أكبوا على المصاحف فقرؤوها وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية لضعيفهم على الصوم، وإبراء الذمة من حقوق الناس وتصفية النفوس من الأحقاد، حتى ينشغل القلب بالعبادة، والترفع عن السب والشتم والكلام البذيء الذي يفسد العمل.
• قال أبو بكر البلخي: شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع، وقال أيضا: مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر، ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان.
• قال بعض السلف: أفضل الأعمال سلامة الصدور وسخاوة النفوس والنصيحة للأمة وبهذه الخصال بلغ من بلغ، وسيد القوم من يصفح ويعفو، فأقِل يا عبد الله حتى تُقال.
• هي فرصة تاريخية لكل مخطئ ومقصر في حق الله ودينه ودعوته وجماعته، وهي فرصة لمحو الأحقاد من القلوب تجاه إخواننا، فلا مكان هنا لمشاحن وحاقد وحسود، وليكن شعارنا جميعا قوله تعالى (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) قال بعض السلف: أفضل الأعمال سلامة الصدور وسخاوة النفوس والنصيحة للأمة وبهذه الخصال بلغ من بلغ، وسيد القوم من يصفح ويعفو، وهي فرصة لكل من وقع في معصية أو ذنب مهما كان حجمه، هي فرصة لكل من سولت له نفسه التجرؤ على الله بارتكاب معاصيه.
6- وضع برنامج تأهيلي تربوي: يقوم به المسلم في شهر شعبان استعدادًا لشهر رمضان المبارك، يشمل التهيئة الإيمانية التعبدية، والتهيئة العلمية، والتهيئة الدعوية، والتهيئة الأسرية، والتهيئة الجهادية مجاهدة النفس واللسان والشيطان، والعدو. وحمل النفس على أن تعيش حياة المجاهدين، وتدريبها على قوة التحمُّل والصبر على المشاقِّ، من خلال التربية الجهادية المعهودة.
• ولما كان شعبان المقدّمة لرمضان فإنه يكون فيه شيء مما يكون في رمضان من الصيام وقراءة القرآن والصدقة، فهو ميدان للمسابقة في الخيرات والمبادرة للطاعات قبل مجيئ شهر الفرقان ، فأروا الله فيه من أنفسكم خيراً.
• أخي الغالي.. شهر شعبان – لو تأمّلتَ - هو التوطئة الحقيقية لشهر رمضان، والتمهيد المباشر لاستقباله، حيث يمثل دورة تدريبية للفرد، وفترة تأهيلية للأسرة، قبل قدوم شهر الصيام والقيام، بحيث تتطلع فيه النفوس للُقيا شهر الصبر، وتتهيأ فيه القلوب للتوبة والإنابة، وتتوقد فيه الهمم للاجتهاد والعبادة؛ وتُشحذ فيه العزائم للذكر والتلاوة.
• هذه هي وظيفة شهر شعبان: التهيئة والتوطئة لاستقبال رمضان، ليؤخذ بحقه، ويُستقبل الاستقبال الذي يليق به، لا كما يحدث دائماً: بينما مُعظم الناس في معمعة الحياة، إذْ فاجأهم حلول الشهر، وهجمت عليهم أول ساعاته، فلا يُفيق أحدهم إلا وهو يسمع: غداً رمضان! حقاً! غداً رمضان؟! لم نستعد له بعد! كنا نظنه بعد يوم أو يومين!
• إن هذا وإن شقَّ عليك في البداية، لكن ثوابه مضاعف بفضل الله تعالى، فإن العمل الصالح أفضل ما يكون عند غفلة الناس وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (إنكم تجدون على الخير أعوانا وهم لا يجدون)، وذلك لما أخبرَ الصحابةَ أن الواحد ممن بعدهم بأجر خمسين منهم.
• شهر شعبان هو شهر التدريب والتأهيل التربوي والرباني؛ يقبل عليه المسلم ليكون مؤهلاً للطاعة في رمضان، فيقرأ في شهر شعبان كل ما يخص شهر رمضان ووسائل اغتنامه، ويجهِّز برنامجه في رمضان ويجدول مهامه الخيرية، فيجعل من شهر شعبان دورة تأهيلية لصيام رمضان ولمزيد من الطاعة والخير في رمضان؛ فلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد في صيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذَّته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط.
• جعلني الله وإياك ممن يوفقون لفعل الخيرات وترك المنكرات.. كما أسأله أن يوفقنا للاستكثار من الباقيات الصالحات.. وسلامٌ على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين..